حكاية شاعر
حكاية شاعر
بقلم : محمد فتحى شعبان
أهلا بكم ومع حكاية جديدة ...حكاية شاعر
الشعر ديوان العرب مقولة قالها ابن عباس رضي الله عنه عن الشعر الجاهلي و رددها النقاد بعده فالشعر هو سجل تاريخ وثقافة العرب، فهو يمثل مرآة تعكس حياتهم، وقيمهم، وعاداتهم، وأحلامهم، وآلامهم. كما ينقل المعرفة، والحكمة، والتراث من جيل إلى جيل .
يقول ابن قتيبة ( الشعر معدن علم العرب ، وسفر حكمتها وديوان اخبارها ، ومستودع أيامها ) ...الشعر له مكانة كبيرة في حياة العرب وقد ورد في الأثر ( لا تترك العرب الشعر حتي تترك الإبل الحنين ) ، كما ورد عن عمر رضي الله عنه ( من افضل ما أوتيت العرب الشعر ، يقدمه الرجل أمام حاجته فيستمطر به الكريم و يستنزل به اللئيم) ، أما ما هو أعظم من ذلك فهو ما ورد في صحيح البخاري عن أبي بن كعب عن النبي صلي الله عليه وسلم ( إن من الشعر حكمة ) ...
نعود إلي شاعرنا و هو أحد شعراء العصر العباسي ، و هو من طبقة بشار والمتنبي ، تعرض لحوادث كثيرة في حياته ، فكان أحد البؤساء ، عاصر ثمانية من الخلفاء العباسيين لكنه لم ذا حظ معهم ، فكان معظمهم يرفض مديحه ويردون عليه قصائده و يمتنعون عن بذل العطايا له ، وصف بأنه صادق الإحساس ، بعيدا عن الرياء و التلفيق ، و عمل في شعره علي مزج الفخر بالمديح و في مدحه أكثر من الشكوي والأنين .
شاعرنا هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج المعروف ب ابن الرومي ، ولد في بغداد سنة ٢٢١ هجريا وتوفي ٢٨٣ هجريا ، كان رومي الأصل وكانت أمه فارسية ، قالوا أنا كان حاد المزاج معتل الطبع ، و قد ورث عن أبيه املاكا كثيرة أضاع جزء كبير منها بإسرافه و لهوه ، أما الجزء الباقي فقد دمرته الكوارث ، حيث احترقت ضيعته و غصبت داره ، و توفيت زوجته وأولاده الثلاثة ومما قاله في وفاة أحد أبنائه:
بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي
فجُودا فقد أوْدَى نَظيركُمُا عندي
بُنَيَّ الذي أهْـدَتْهُ كَفَّـأيَ للثَّرَى
فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرةالمُهدِي
ألا قاتَل اللَّه المنايا ورَمْيَـها
من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على عَمْدِ
تَوَخَّى حِمَامُ المـوتِ أوْسَـطَ صبْيَتي
فلله كيفَ أخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ
على حينََ شمْتُ الخيْـرَ من لَمَحَـاتِهِ
وآنَسْتُ من أفْعاله آيةَ الرُّشدِ
طَوَاهُ الـرَّدَى عنِّي فأضحَى مَزَارُهُ
بعيداً على قُرْب قريباً على بُعْدِ
لقد أنْجَزَتْ فيه المنايا وعيدَها
وأخْلَفَتِ الآمالُ ما كان من وعْدِ
لقَد قلَّ بين المهْد واللَّـحْد لُبْثُهُ
كان يجيد الكثير من الأشكال الشعرية و التي جاء علي رأسها الهجاء....قال عنه المرزبانى ( لا اعلم أنه مدح أحدا من رئيس أو مرؤوس إلا عاد إليه فهجاه ) .
إن هذه الأحداث التي ذكرناها سابقاً قد شكلت طبعه وأخلاقه فقد مال إلى التشاؤم والانغلاق، وأصبحت حياته مضطربة، وأصبح هو غريب الأطوار خاضع للوهم والخوف، يتوقع السوء دائماً، فقام الناس بالسخرية منه والابتعاد عنه واضطهاده، ومن جانبه نقم على مجتمعه وحياته فأتجه إلى هجاء كل شخص وكل شيء يضايقه أو يسيء إليه ، وقد قال في وصف البحتري:
البُحْتُريُّ ذَنُوبُ الوجهِ نعرفُهُ
وما رأينا ذَنُوبَ الوجه ذا أدبِ
أَنَّى يقولُ من الأقوال أَثْقَبَهَا
من راح يحملُ وجهاً سابغَ الذَنَبِ
أوْلى بِمَنْ عظمتْ في الناس لحيتُهُ
من نِحلة الشعر أن يُدْعَى أبا العجبِ
وحسبُه من حِباءِ القوم أن يهبوا
له قفاهُ إذا ما مَرَّ بالعُصَبِ
ما كنت أحسِبُ مكسوَّاً كَلحيته
يُعفَى من القَفْدِ أو يُدْعى بلا لقب
** و مما قال في وصف الطبيعة
ورياضٍ تخايلُ الأرض فيها
خُيلاء الفتاة في الأبرادِ
ذات وشيْ تناسَجَتْهُ سوارٍ
لَبقاتٌ بحْوكِه وغوادِ
شكرتْ نعمةَ الوليِّ على الوسْ
مِيِّ ثم العِهاد بعد العِهادِ
فهي تُثني على السماء ثناء
الأحداث التي تمر بحياة الإنسان تعلمه الحكمة ، وجاءت حكمة ابن الرومي كنتيجة منطقية لمسيرة حياته، فقال:
عدوُّكَ من صديقك مستفاد
فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ
فإن الداءَ أكثرَ ماتراهُ
يحولُ من الطعام أو الشرابِ
إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدواً
مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ
طيِّب النشر شائعاً في البلادِ
وبعد حياة حافلة بالاحداث كانت النهاية نهاية ابن الرومي ، وقد توفي ابن الرومي مسموماً ودفن ببغداد عام 283 هـ / 896م، قال العقاد "أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبيد الله بن سلمان بن وهب، وزير الإمام المعتضد، كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه ابن فراش، فأطعمه حلوى مسمومة، وهو في مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم، فقال له الوزير: إلى أين تذهب؟ فقال: إلى الموضع الذي بعثتني إليه، فقال له: سلم على والدي، فقال له: ما طريقي إلى النار.
تعليقات
إرسال تعليق