الغزو الفكري والتغريب

الغزو الفكري 
والتغريب
بقلم / محمد فتحي شعبان 
الغزو الفكري تعبير دقيق يصور خطورة الآثار الفكرية التي قد يستهين بها كثير من الناس لأنها تمضي بينهم في صمت ونعومة وسلاح هذا الغزو هو الفكرة والكلمة والرأي و الحيلة و الشبهات و خلابة المنطق و براعة العرض و شدة الجدل  ولدادة الخصومة و تحريف الكلم عن مواضعه ، وغير ذلك مما يقوم مقام السيف و الصاروخ في أيدي الجنود .
وتعبير الغزو الفكري علي حداثة مبناه إلا أنه قديم المدلول و المعني و في قصص الأنبياء و الرسل صلوات الله وسلامه عليهم صور كثيرة تبين ضراوة ما واجهوه من جنس هذه الحروب الفكرية التي قادها ضدهم شياطين الإنس و برعوا في وسائلها من تشنيع وإرجاف و اختراع النقائص وإلصاق التهم وإثارة الجدل وإطلاق الشبهات ، حتي أساليب الاستهزاء والاستخفاف لم تفهم في هذا المجال .
ويتصف الغزو الفكري بالشمول  والامتداد فهو حرب دائمة دائبة لا يحصرها ميدان بل تمتد إلي شعب الحياة الإنسانية جميعا، وتسبق حروب السلاح وتواكبها ، ثم تستمر بعدها لتكسب ما عجز السلاح عن تحقيقه ، فتشل إرادة المهزوم  وعزيمته حتي يلين ويستكين ، وتنقض تماسكه النفسي حتي يذوب كيانه ، فيقبل التلاشي والفناء في بوتقة أعدائه أو يصبح امتدادا ذليلا لهم ، بل ربما تبلغ حدا من الاتقان يصل بها إلي أغوار النفس فتقلب معاييرها ومفاهيمها وتشكل لها أنماطا جديدة في السلوك والأخلاق والاذواق إلي الدرجة التي تجعل المهزوم يفخر فيها بتبعيته ويراها شرفا خليقا بالرضا والشكران. 
التغريب تيار كبير ذو أبعاد سياسية واجتماعية و ثقافية و فنية يرمي إلي صبغ حياة الشعوب بالأسلوب الغربي ، وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفردة وجعلهم أسري التبعية الكاملة للحضارة الغربية .
يسعي الغرب بقوة إلي غزو دول العالم الثالث ثقافيا بغرض محو هويتها المتميزة وتشكيل أنماط سلوكها وعقلياتها وأساليب حياتها وفق الحياة الغربية ، وهذا يسهم في عدم استقرار الأحوال العامة لهذه الدول سياسيا واقتصاديا وفكريا وما يتبقي بعد ذلك من إنتاج أبنائها يصبح في حالة تبعية للثقافة الأجنبية .
وفي أيامنا الحالية قد تمكن التغريب من مجتمعاتنا غاية التمكن ، وتغلغل في كل شؤون حياتنا السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية والإعلامية والتعليمية وصار الغرب يطالب بفرض مظاهر حضارته الغربية المادية فرضا كاملا باسم العولمة .
ختاما مقولة ابن خلدون في مقدمته 
إن المغلوب مولع دائما بالاقتداء  بالغالب في شعاره و زيه و  نحلته و سائر أحواله و عوائده  حتي إنه إذا كانت أمة تجاور أخري ولها الغلب عليها فيسري إليهم من هذا التشبه والاقتداء خطر كبير.
فقرات من قراءتي في كتاب مذاهب فكرية في الميزان من تأليف دكتور / علاء بكر 


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكاية شاعر

سيرة ذاتية

حكاية شاعر ..علي الجارم