بئيس بن بئيسة
بئيس بن بئيسة
بقلم : محمد فتحي شعبان
فجأة اصطدمت عيناي بهما ، أب وابن أو إن شئت قلت ليس سوي أسمال بالية ، الاب يمسك بكف ابنه في كفه ، كان الصغير يتحدث لكني لم استطع سماع حديثه ، كان ذا شعر مجعد ، يلبس قميص قديم اكلت عليه الأيام وشربت حتي أنها بالت عليه ، وبنطال قد اهترء فيكشف أكثر مما يخفي ، وليس حال الاب بأفضل من حال الابن ، يمسك الاب بجوال يلقي فيه ما يجده أثناء سيره من علب كرتون فارغة أو عبوات بلاستيكية أو عبوات الكانز ، هائمان في الطرقات يتشبثان بالحياة ، التقط الصغير شىء من الأرض ...مسحه في ثيابه المتسخة ثم وضعه في فمه ، نظر إليه أبيه فأخرج جزء منها وأعطاه له فوضعه في فمه ، كان ينظران لبعضهما في شىء من السعادة ، ذكرني مشهدهما بكتاب البؤساء ، وتذكرت قول صديق لي ( بئيبس بن بئيسة ) ،تبعتهما عيناي إلي آخر الطريق ...ثم أكملت طريقي .
امرأة سمينة سمراء ...بلغة أهل الصعيد ( كحلة ) لا أثر للجمال فيها ، يبدو عليها الوهن والضعف والمرض ، تدور في طرقات السوق تلملم بعض حبات الخضار التي تسقط من السيارات المحملة بها ، تبتسم حين يعطيها أحدهم بعض جنيهات أو بعض حبات الفاكهة ، تشعر بالتعب ...تجلس في اقرب مكان تستريح قليلا ثم تكمل السير ، ملابسها سوداء كالحة ...تجر قدميها فوق الارض جرا ، أشعر أنها تريد أن تلقي جسدها في أي مكان لتنام ، لكنها كمن يهرب من شىء ما يخيفه فهو لا يستطيع التوقف ، في كل صباح تجلس إلي جواري قليلا ، تحكي كأنها تشتاق إلي الحكايا أو إلي أن يسمعها أحد ، انتبه إلي حديثها احيانا وكثيرا ما انشغل عنها اتركها تحكى فقط تحكي .
رائحة نتنة تنطلق من مكان ما لا تستطيع انفي تحديده ، كانت كصوت يعلو فجأة ثم يخفت ، حاولت اكثر من مرة تحديد مكانها دون جدوي ، ولكنها كانت رائحة ( كنشة ) اعرفها جيدا لكثرة ما رأيت من يدخن عليها الحشيش ، قمت من مكاني محاولا تتبع الأثر ...كان صغيرا بما يكفي لأن يكون في حضن أمه في ذلك الوقت من الصباح ، لكن كان السوق مأوى له ، يبيت بجوار حائط المسجد ليس له غطاء سوي حصير قد نخل ، في النهار يدور مثل الدود بين طرقات السوق يلتقط ما تصل إليه يده من خضار او فاكهة ، قد تمتد يده إلي حمولة سيارة فيخطف ما يستطيع ويجري ، في آخر اليوم يفرز الخضروات والفواكه التي التقطها ثم يبيعها ، يشتري طعاما وقطعة حشيش ثم يذهب ...
تعليقات
إرسال تعليق