رجع الصوت
رجع الصوت
بقلم / محمد فتحى شعبان
حدث التعارف بينهما عن طريق الخطأ ، يتصل بصديق له فجاء صوتها على الجهة المقابلة ، حين سأل عن صديقه أخبرته أنه إتصال خاطئ ، لكن طلبت منه فى جرأة أن يحتفظ برقم هاتفها إن أراد الأتصال بها بعد ذلك، أنهت المحادثة ، كلماتها تدور فى رأسه ، سجل الرقم بلا أسم .
تدور بين غرف البيت الصامت ، كل شىء كما هو لا يشعرها بالحياة فى هذا البيت سوى مواء هرتها ، إلتصاقها بها يشعرها بالدفئ ، ملامح وجهها لا توحى بسنين عمرها ، أرتفع صوت هاتفها ليحدثها إنسان لا تعرفه ،ردت ببعض كلمات سريعة لتترك محدثها فى حالة من الحيرة ، تعبث بالهاتف قليلا ثم تتركه ، تقف فى شرفة المنزل وتنظر إلى اللاشئ .
مر يوم ويومين وإذا به يتصل بها ، لا يدرى ماذا سيقول ولكن شيئا ما يدفعه لمحادثتها ، يأتيه صوتها فيرتبك ، ماذا سيقول ، يلقى تحية ثم يصمت فتحدثه هى ، يبدأ فى الأجابة على بعض الأسئلة التى تلقيها ، تنبسط تعابير وجهه
فيحكى كأنه كان فى حرمان من الكلام ، يتبسم وجهه ويدور فى غرف المنزل ممسكا هاتفه يكاد يغنى مع عبد الحليم ( كان يوم حبك أجمل صدفة ) .
انتظرت أن يتصل بها فى اليوم التالى لكنه لم يفعل ، جاءها الاتصال فى اليوم الذى يليه ، كانت كعادتها تقف فى الشرفة ناظرة إلى الفراغ تمر جميع الحكايا برأسها ، أمسكت بهاتفها ثم بدأت بالحديث شعرت بأرتباكه فأخذت بزمام المبادرة ألقت عليه أسئلة كثيرة وهو يجيب ، لم يسألها هو فقط كان يجيب ، عرفت عنه أشياء كثيرة خلال أجوبته أنهت المكالمة ثم عادت إلى النظر فى الفراغ .
أنتهت المكالمة فجأة ،صمت كل شىء ، توقفت الطيور عن التغريد وتقف الناى عن البوح بمكنون قلبه ، لم يعرف عنها شيئا رغم أنه اخبرها كل شىء عن نفسه ، لم تخبره حتي بأسمها ، ها هى تلك المجهولة تأخذه من عالمه إلى أين لا يدرى ولكنه يعجبه الحال .
يمسك بالهاتف ينظر إلى الاسم الذى سجل به رقم هاتفها ، هل يتصل بها تلك المجهولة ، نغمة صوتها مازالت فى أذنه ،
لا ضير يقرر الاتصال ، يأتيه صوتها على الجهة الأخرى دافئا
تسرى فى جسده قشعريرة كأنما مسه السحر ، تخبره أنها كانت تنتظر اتصاله فيبتسم ، كان يريد أن يسألها عن اسمها لكنه يتوه مع حديثها ، يتذكر فى آخر الحديث أن يسألها ، فتخبره باسمها ، تنهى حديثها ، يكاد يحلق بين غرف البيت وهو لم يعرف عنها سوى اسمها .
تنظر إلى الفراغ ، تنتظر شىء ما ،غرف البيت جميعها مظلمة يشعرها الضوء بالوحشة تدرك أنها تحيا وحدها ،
فى الظلمة تشعر بالدفئ ، تراهم جميعا هنا ، يرتفع صوت هاتفها ، كان هذا ما تنتظر ، تتسرب الكلمات من بين شفتيها
تريد أن تحكى مع ذلك المجهول ، تطول المحادثة هذه المرة ، لكنها آخر الأمر تنهى المحادثة ،تتركه ينتظر .
تنظر إلى المرآة فلا ترى وجهها ، تتبسم ثم تعود إلى النظر فى الفراغ ، تقوم كأنما تذكرت شىء ، تمسك هاتفها وتتصل به ، تطلب منه أن يلتقيا .
ينظر إلى شاشة هاتفه لا يصدق إنها هى تحدثه ،كلمات قليلة ، يغلق الهاتف ويبدأ فى تجهيز نفسه للخروج .
تذهب إلى المكان الذى اتفقا على اللقاء فيه ، يذهب هو الآخر إلى نفس المكان ، لا ترى هى أحدا المكان لا حياة فيه ، لا يرى أحد هو الآخر لا شىء سوى الفراغ والصمت
يبدأ فى الحديث فلا يسمع سوى رجع صوته ، تنظر إلى الفراغ ثم تتحدث فتسمع رجع صوتها .
تعليقات
إرسال تعليق