هناء

هناء 
بقلم : محمد فتحى شعبان 
أسمع وقع خطواتها استطيع تمييزها عن أي خطوات أخري ،
تقترب ..تطرق الباب ثم تدخل قبل أن تسمع ردى ، تبدأ مباشرة في الكلام بلا أي مقدمات ، استمع في صمت ...انظر إليها ثم أنظر في الكتاب مرة أخري ، كدرت علي صفو لحظات القراءة ، تطلب مني الاهتمام قليلا بشئون الأبناء ، انظر إليها في تعجب ، لعلها لا تدري أنهم صاروا رجالا ، عليهم الاهتمام بشئون أنفسهم ، أحاول الرد لكنها لا تتوقف عن الحديث ، أعود للنظر في الكتاب ، تنظر إلي في ضجر ثم تعود أدراجها وهي تشعر بالخيبة .
  مر وقت طويل ما زلت حبيس غرفتي ، افضل ذلك المحبس عن الجلوس بين الناس ، أرق يلازمنى منذ عدة أشهر ...لا أستطيع النوم أو بمعني صحيح لا استطيع الاستغراق في النوم ، حين يبدأ النعاس في مداعبة عيناي أشعر بالاختناق فاستيقظ مفزوعا ، يبدو أن رواية حكاية مملة لأنطون تشيخوف تركت تأثيرا علي .
  اسمع وقع خطوات أخري إنها (هناء) ابنتي من زواج آخر ، تزوجت منذ عدة سنوات ، ماتت امها منذ عام مضي ، أتيت بها للعيش مع إخوتها وأمهم ، لا تتوافق مع أحد منهم ، أشعر بالسكينة معها وتشعر بالسكينة معي ، تدخل بلا استئذان ، تلتصق بي ثم تقبل جبهتي ،تنظر لي في صمت ، تنتقل نظراتها بين عناوين الكتب ثم تعود لنظر إلي ، أضم جسدها الصغير إلي صدري ، حين أقبل رأسها أشعر بحنين غريب إليها ، أشعر بها كأنها تريد حفر جحر في صدري تختبئ فيه .
يعود وقع الخطوات الأولي مرة أخري ، لم تتغير خطواتها رغم مرور الزمان ، لا أدري ماذا تريد ...ما زالت رشيقة تحافظ علي صحتها ، لكني أهلكها في كل شىء ، كانت تحمل بعض الشطائر و كوب عصير ، تركت ( هناء ) الغرفة عائدة إلي غرفتها ، تبادلت النظرات مع زوجتي ، إنها حرب العيون ، امتنع عن الحديث متحصنا داخل الكتاب ، تنظر إلي كأنها تطلق الرصاص من عينيها ، ما عادت تلك الأمور تعنيني ، وضعت الشطائر والعصير جانبا ثم غادرت الغرفة .
اترك كل شىء كما هو ، أذهب إلي النافذة انظر منها إلي الفراغ ، تبدو هذه الليلة شديدة السواد ، لا نجوم فيها ولا قمر ، حتي الذكريات ابتعدت فلم أعد اتذكر الكثير من الأشياء والوجوه ، تتسلل خطواتى ...أجدني خارج البيت ، أسير في داخل هذا الفراغ الأسود ، صوت يهمس ...اكمل السير ، لكن يد تمسك بي ، كانت ( هناء ) تلك الغريبة ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكاية شاعر

سيرة ذاتية

حكاية شاعر ..علي الجارم