عندما

عندما ....
بقلم : محمد فتحي شعبان 
عندما ..حين ...المهم في الأمر أن أمي أخبرتني أنه عندما جاء أخي الأصغر إلي الوجود كنت في عامي الثالث ، هكذا أخبرتني و أخبرتني كذلك أني كنت فرح به مثل لعبة جديدة ، فكنت أحاول كثيرا حمله واللعب به مثل الدمية وأنها كانت تقوم بزجرى و تنهرني فتقول ( عيب أنت الكبير وده اخوك الصغير ) ومنذ ذلك التاريخ صرت أنا الكبير الأخ الأكبر الذي يتحمل مسئولية كل شىء .
الأفكار تدور في رؤوس الناس ، لكن افكاري تدور في فراغ ، هذا من تأثير القراءة ، تكره فاطمة الكتب لكنها تحب عمل ( محشي الكرنب ) ، كان أبي يردد دوما ( العلم لا يقدر بالباذنجان ) أعدت فاطمة عشاء خفيف برجر وأصابع بطاطس مقلية وأرز وطبق مخلل ، لم تأكل معنا ...أمسكت بهاتفها المحمول و اتخذت ركنا تنظر في شاشته كأنها تغازل معشوقا ، لا يفارقها منذ أن اشترته استحوذ علي حياتها وصرنا نحن في ركن ما من تلك الحياة .
كبرنا أنا وأخي إن فعل هو اي شىء واردت مجاراة ما يفعل ، اسمع صوت أمي ( عيب أنت كبير متعملش زيه ) ، إن أردت اللعب مع الاولاد في الشارع يأتي صوتها ( لما انت الكبير بتلعب خليت للصغير ايه ) صرت حبيس كون اني الكبير ، صارت تلك الكلمة تتردد علي مسامعي دوما ( عيب أنت كبير ) .
أخبرت فاطمة أن المريض يريد أن يستشير الطبيب في أمر مهم غاية في الأهمية ، ردت بأن العيادة تخضع لبعض الإصلاحات وستنتهي بعد أيام ، سيف انسحب إلي غرفتي ...القي بجسده فوق السرير وذهب في نوم عميق ، فاطمة نامت في سرير سيف ، لم اجد لي سريرا انام فيه ألقيت بجسدي فوق الكنبة ولم انم حتي اذن الفجر ونمت .
في المرحلة الثانوية اعجبتني فتاة كانت اصغر مني  بعام ، معي في نفس المدرسة ، سمراء خمرية لا أجيد وصف النساء ولكن كانت فتاة مليحة ، كانت ترتدي جوب قصيرة وبلوزة بيضاء مفتوحة الصدر وتطلق العنان لشعرها ، تعلقت بها فصارت عيناي تتبعها في كل مكان ، لم أكن ادري ماذا افعل ، أخبرت اخي الصغير ، فلم يكتم السر عن امي ، وترددت نفس الكلمات ( عيب تعمل كدة أنت الكبير ) ، كرهت كوني الكبير و كرهت اليوم الذي ولد فيه اخي و كرهت كل شىء ، وانتهت قصة الحب قبل أن تبدأ .
زينب لم أري وجهها غير مرة واحدة ، لا اتذكر ملامحها جيدا ، لا أذكر سوي أنها بيضاء ممتلئة ، ذات وجه مقبول ، ومؤخرة عريضة ( كانت بيضة ومربربة ...زينب وليست مؤخرتها ) ، رغم أنها تغطي وجهها بالنقاب لكن لا تمانع في رفعه إن طلبت منها ذلك ، اليوم حين أتت إلي طلبت منها رفع النقاب فرفعته ، كانت تضع كحلا في عينيها ، ولم تزين وجهها بأي زينة أخري ، تحسست وجهها بأصابعي ، ثم ...لم أفعل سوي هذا غطت وجهها وذهبت ، كان السوق ما زال خاليا .
في الجامعة كانت محاولتي الأولي للتمرد علي ( عيب أنت الكبير ) صرت أصادق الفتيات ثم تعلمت تدخين السجائر ، كنت اتسكع علي الشاطئ احيانا ، صرت مدمنا للجلوس علي  شاطئ البحر ، و اعجبني الجلوس عند تمثال سعد زغلول ( الذي أعطي وجهه للبحر وقال مفيش فايدة ) صرت اعطي وجهي للبحر وأسند ظهري إلي قاعدة التمثال ، معلنا أنه لا فائدة .
عند قاعدة التمثال كان اللقاء الأول كانت تتردد دوما علي نفس المكان ، لم تكن ذات جمال لافت للنظر ولكنها امرأة حلوة مليحة ، مثل الملح في الطعام ، كنت أقرأ في رواية قهوة كتكوت لمحمود السعدني ، اقتربت مني ثم جلست ، علت وجهي تعابير غريبة لكنها استمرت في الجلوس وبدأ الحديث .
لم تكن زينب الوحيدة فهناك العديد ، نعيمة ونادية وأسماء لكني كنت ارتاح نفسيا مع زينب ، حين ذهبت إلي البيت مساء لم يكن أحد هناك كان الجميع عند جدهم ، جلست وحدي أدرت جهاز التلفاز ، كان العشاء معدا في الثلاجة ، في العاشرة مساء كان الجميع في البيت ، تركتهم ودخلت إلي غرفتي فقد غلبنى النوم .
صار تمثال سعد زغلول مكان جلستي المفضل ، لم تعد تتردد علي مسامعي تلك الكلمة العجيبة ( عيب أنت الكبير ) ، تأتي دوما في نفس الميعاد ، لم تخبرني بعمرها حين سألتها لكن اظن انها تخطت الثلاثين ، كانت تجلس بجواري تكاد تلتصق بي ، تقرأ معي ..تحكي ...
استيقظت مبكرا ..وجدت فاطمة بجواري ، حين تحركت أمسكت بملابسى ، قالت إن العيادة تم إصلاحها إن أردت زيارة الطبيب ...
كنا في بداية المساء ذهبت إلي سعد زغلول ، وجهت وجهي ناحية البحر و أسندت ظهري إلي قاعدة التمثال ، أتت تتهادى في مشيتها ، اتخذت موقعها جواري ، التصق جسدي بجسدها ، تسللت يدي تتحسس فخذها ، ثم استدارت تتحسس مؤخرتها ، نظرت إلي فسمعت صوت أمي ( عيب أنت صغير لسة علي الحاجات دي ) ....

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكاية شاعر

سيرة ذاتية

حكاية شاعر ..علي الجارم