حكاية شاعر ...بشار بن برد

حكاية شاعر 
بقلم : محمد فتحى شعبان 
أسعد الله حياة الجميع 
ما يحدث في فلسطين أمر فوق الاحتمال ، يعتصر القلب ألما و حزنا ، وقوف الجميع موقف المتفرج الصامت أو حتي الذي يصرخ ويستنكر ...الله المستعان علي ما تصفون .
معذرة إلي الله ...فما بيدي حيلة إلا الدعاء .
نلتقي اليوم مع أحد شعراء العصر العباسي الأول ...العصر الذهبي للدولة العباسية أو عصر قوتها ، وقد اشتهر في هذا العصر العديد من الشعراء والأدباء ، فقد كان عصر انفتاح علي الثقافات والحضارات الأخري من خلال ما تم ترجمته من علوم وآداب و فلسفات ، كان هناك ثورة ثقافية و معرفية فانتشرت في هذا العصر العديد من العلوم وكان عصر حركة فكرية وعلمية .
شاعرنا اليوم من الشعراء المولدين و المولدون هم من كانوا من اصل أعجمي غير عربي لكنهم ولدوا لأباء أو اجداد عاشوا بين العرب و اختلطوا بهم ، كان من أبرز شعراء العصر العباسي واشتهر بشعر الهجاء والغزل ، وقد قتل بسبب شعر هجا فيه الخليفة فضرب بالسياط حتي مات ، إنه الشاعر الذي قال : 
كأن أبريقا والقطر في فمه 
طيرا تناول ياقوتا بمنقار 
رغم أنه كان اعمى وقد انتشرت في مواقع التواصل صورة توضح مدي التشابه بين الطير الذي في منقاره  ياقوت وبين القطر في فم الأبريق .
إنه أبو معاذ بشار بن برد بن يرجوخ  العقيلي ، ولد عام ٩٦ من الهجرة وتوفي عام ١٦٨ من الهجرة عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية ، وقد ولد أعمى وكان من فحول الشعراء و سابقيهم وكان غزير الشعر سمح القريحة ، وقد قيل فيه ( أنه لم يكن في زمن بشار بالبصرة غزل ولا مغنية ولا نائحة إلا يروى من شعر بشار ) ، وقال عنه الجاحظ ( وليس في الأرض مولد قروي يعد شعره في المحدث إلا و بشار أشعر منه ) .
كان أبوه مولي لبني عقيل بن كعب بن عامر يعمل طيانا ، وقع جد بشار في السبي وولد برد في الرق وكذا بشار ثم أعتق ، ويقال أن من أجداده من كانوا من ملوك الفرس وفي نسبه الوارد في ديوانه اسماء بعض ملوك الفرس ، وأصله من طاجيك من إقليم خراسان .
كان دميم الخلقة أعمى ، طويلا ضخم الجسم ، عظيم الوجه ، جاحظ العينين قد تغشاهما لحم احمر ، فكان قبيح العمي مجدور الوجه ،ضرب به المثل لقباحة عينية ، فقالوا كعين بشار بن برد .
كان سريع الغضب ، سريع الهجاء ، وكان محب للملذات مجاهر بها ، وكان سريع الرد علي من خالفه بذئ اللسان ، شديد الأذى ، وكان ثابت الرأي شجاع القلب.
سبب مقتله 
كان سبب مقتله شعر قاله في هجاء بني أمية فقال : 
بني أمية هبوا طال نومكم 
إن الخليفة يعقوب بن داوود 
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا 
خليفة الله بين الناي والعود 
فسعى يعقوب بن داوود بتلك الأبيات إلي المهدي ، وأخبره الخير فكاد أن ينشق غيظا ...ثم ذهب إلي البصرة فسمع آذانا في ضحي النهار فسأل عنه فإذا هو بشار في حال سكر ، فاخذوه في زورق و ضربوه بالسوط حتي مات ، ورموا جثته علي قطعة خشب ، وحمله الماء إلي البصرة فأخذه أهله و دفنوه بها ، شاعر قتله شعره و لسانه فمن الشعر ما قتل .
مع قصيدة من شعره ( ذات دل )
وذَات دَلٍّ كانَّ البدر صورتُها

باتت تغنِّي عميدَ القلب سكرانا

إِنَّ العيونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

فقُلْتُ أحسنْتِ يا سؤْلي ويا أَمَلِي

فأسمعيني جزاكِ الله إحسانا

يا حبذا جبلُ الرَّيَّان من جبل

وحبذا ساكن الريان مَنْ كانا

قالت فَهَلاَّ فدَتْكَ النفس أَحْسنَ مِن

هذا لمن كان صبّ القلبِ حيرانا

ياقومِ أذْنِي لِبْعضِ الحيِّ عاشقة ٌ

والأُذْنُ تَعْشَقُ قبل العَين أَحْيانا

فقلتُ أحسنتِ أنتِ الشمسُ طالعة ٌ

أَضرمتِ في القلب والأَحشاءِ نِيرانا

فأسمعيني صوتاً مطرباً هزجاً

يزيد صبًّا محبّاً فيك أشجانا

يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُفَّاحاً مُفَلَّجَة ً

أوْ كُنْتُ من قُضُبِ الرَّيحان رَيْحَانا

حتّى إِذا وَجَدَتْ ريحي فأعْجَبَها

ونحنُ في خَلْوة ٍ مُثِّلْتُ إِنسانا

فحرَّكتْ عُودَها ثم انثنَتْ طَرَباً

تشدو به ثم لا تخفيه كتمانا

أصْبحْتُ أَطْوَعَ خلق اللَّه كلِّهِمِ

لأَكْثَرِ الخلق لي في الحُبّ عِصيانا

فَقُلت: أَطربْتِنا يا زيْنَ مجلسنا

فهاتِ إنك بالإحسان أولانا

لوْ كنتُ أعلَمُ أَن الحُبَّ يقتلني

أعددتُ لي قبلَ أن ألقاكِ أكفانا

فَغنَّت الشَّرْبَ صَوْتاً مُؤْنِقاً رَمَلاً

يُذْكِي السرور ويُبكي العَيْنَ أَلْوَانا

لا يقْتُلُ اللَّهُ من دامَتْ مَودَّتُه

واللَّهُ يقتل أهلَ الغدر أَحيانا

لا تعذلوني فإنّي من تذكرها

نشوانُ هل يعذل الصاحونَ نشوانا

لم أدر ما وصفها يقظان قد علمت

وقد لهوتُ بها في النومِ أحيانا

باتت تناولني فاهاً فألثمهُ

جنيّة زُوجت في النوم إنسانا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكاية شاعر

سيرة ذاتية

حكاية شاعر ..علي الجارم