حكايات كحيان بن عدمان (4)

حكايات كحيان بن عدمان (4)
بقلم : محمد فتحى شعبان 
   لم تكن تحمل من الأنوثة سوى اسمها ( سحاب ) كان ترتدي البنش الرجالي لكن بالوان الملابس النسائية تضع فوق رأسها شال تغطى به شعرها ، تسرح بالغنم في المناطق المجاورة ، تذهب بها إلي السوق ...إنها تجارتها ومهمتها ( غنامة) ، تجاوزت الثلاثين و لم تتزوج كنت اسمع نساء حارتنا يتحدثون عنها ( دي دكر مين اللي حيتجوزها ) ، العب بين الغنمات واطعمهم معها ، تضمني إلي صدرها احيانا ، اسمعها تدندن ببعض أغنيات قديمة ، تنظر إلي نخلة قريبة ، تقذفها بالحجارة وتعطيني البلحات التي تسقط ، تمسحها في ثوبها تتذوق طعمها وتضحك ، تهمس في اذني ( لو اتجوزت وخلفت ولد حسميه علي اسمك ) ، اضحك و تحضنني ...انطلق إلي الغنمات مرددا دندنتها .
     لم اعد اذهب إلي مطعم مصطفي كنت اخاف العفاريت ، كنت اذهب إلي مطعم بعيد ، صرت اخاف من الاقتراب من طاسة الفلافل رغم برودة الجو ، اتذكر الحريق فابتعد .
   خالتي نجاة هه تبتعد عني منذ رأيتها عارية ، تتجنب الحديث معي و ما عادت ترسلنى لشراء اي شىء لها كعادتها، مر وقت طويل ولم يتغير من الأمر شىء ، توفي زوجها ...ذبلت تماما .
   جاء العيد كان أول عيد لنا في بلدتنا الجديدة ، لم انم تلك الليلة سهرنا في الشارع حتي الصباح ، تعلو أصواتنا ..نسمع صوت ام كلثوم  يا ليلة العيد أنستينا ، ينبعث صوت آخر تم البدر بدري ، كبرنا ولم يعد العيد كما كان أو لم نعد نحن كما كنا .
    منذ أيام تروادني صورة الحاجة ( دقدوقة ) ثوبها الاسود ونظارتها السوداء حتي ذلك الشال الأسود الذي تضعه فوق رأسها ، ممسكة بعصاتها تدور في طرقات المدينة ، الجميع كان يشيع عنها انها مخبرة سرية للشرطة ( مرشدة ) تخبرهم بما يدور في البلدة لذا كانت تدور بين الطرقات ، البعض كان يقول عنها انها ( مخاوية جن ) لم تتزوج طيلة حياتها سمعت أحدي جارتنا تقول ( دي مجوزة عفريت وبيعاشرها ذي الرجالة )  ، كنت اخاف منها حتي امي كانت تتجنبها خوفا من أن تسلط عليها عفريتا  ، كانت جارتنا ( نعناعة ) تضحك من أمي حين تذكر ذلك وتقول في شىء من الخبث ( يا ريت تسلط عليا عفريت اهو يبقي ونس احسن ما أنا عايشة لوحدي ) ، كانت امي تضحك وتقول ( عفريت يعفرتك يا ولية يا ...) .
   في ليالي  الشتاء كانت البطاطا وحلوي ( سد الحنك ) التحلية بعد العشاء ، احيانا تكون هي العشاء إذا كنا في أواخر الشهر قبل أن يقبض ابي مرتبه ، كان أبي يفتح ( الحصالة) ويخرج منها العملات المعدنية التي كان يدخرها لمثل تلك الأيام ، كانت فئة العشرة قروش والخمس قروش ، كان يلقي بها طوال الشهر داخل ( الحصالة ) ويخرجها اخر الشهر .
    عيلة تايهة تايهة يا ولاد الحلال ببلوزة نايلو نايلو وجيبة ترجال ، الحلوة خوخة جت بعد دوخة ، يرتفع صوت عدوية
من داخل دكان عم علي بائع شرائط الكاسيت ، كنت اشتري منه شريط لعبد الحليم حافظ ، كنت في بداية الشباب احب أغانيه الرومانسية ، أرددها مع كل حالة حب جديدة ، فقد احببت فتيات ونساء حارتنا كلهن .
    في ليالي رمضان الأخيرة تجتمع نسوة الحارة ويصنعون الكحك ، كان لنا فرن حمية مصنوع من الطين ، كانت كل واحدة تساعد جارتها في صنع الكحك و تسويته ، يجتمعن مساء في غرفة الفرن ، يسهرن حتي الصباح ...تدور الحكايات وتعلو الضحكات ، وفي ليلة العيد تقوم امي باخراجي من الغرفة ، تبقي هي وخالتي نجاة ثم يخرجن بشكل مختلف عما دخلوا .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكاية شاعر

سيرة ذاتية

حكاية شاعر ..علي الجارم