الست هندية الداية

الست هندية الداية 
يوميات نائب في الأرياف ...توفيق الحكيم 
بقلم : محمد فتحى شعبان 
    أسعد الله حياتكم 
توفيق الحكيم ...هذا العملاق الغني عن التعريف ...أحد أشهر أدباء العرب في العصر الحديث ، بالطبع لن أقوم بالتعريف به فكما ذكرت هو غني عن التعريف ، وما ساكتبه هنا ليس سوي قراءة وتأمل في رائعته ( يوميات نائب في الأرياف ) ...الشيخ عصفور ، قمر الدولة علوان ، و ريم ...البيه المأمور .
   تصور الرواية الريف المصري في فترة النصف الأول من القرن العشرين ( تقريبا الاربعينيات )  وهي فترة زمنية عايشها المؤلف ، فالرواية إذن تأريخية وليست رواية تاريخية ، أي أنها تصف الأحداث الجارية في حينها فالمؤلف شاهد عيان علي الأحداث ، وقد يستأنس بمثل هذه الروايات احيانا في معرفة أنماط الحياة الاجتماعية ، معرفة الحالة السياسية ، معرفة اللهجة و الالفاظ المستخدمة ، فمثل هذه الروايات تصور حالة المجتمع بما لا يذكر في كتب التاريخ ، فمن يكتب التاريخ لا يذكر كل الوجوه ، يذكر فقط الأحداث الكبيرة والمهمة ...أما حياة المهمشين وحياة قاع المجتمع ، وحركة الشوارع وما يدور خلف الجدران فلا يذكر ابدا ...فتكون مثل هذه الروايات مصدر يستأنس به في معرفة مثل تلك الأحداث .
   لماذا ادون يومياتي هذا سؤال يسأله الحكيم لنفسه لتبدأ بعدها الرواية ، ترد إشارة بإصابة المدعو ( قمر الدولة علوان ) بطلق ناري ولا احد يعرف الجاني ، يذهب النائب ومساعد النائب ، و المأمور و القوة الأمنية إلي مكان الحادث ، أمر عادي يحدث في أي زمان ...لكن ظهور الشيخ عصفور يصور دور الخرافة في المجتمعات البسيطة فلها دور مهم حتي مع الشرطة التي تري في الشيخ عصفور رجل مبروك يحل المعضلات ، قمر الدولة علوان وهو المصاب لم يتلقي أي إسعافات فور إصابته بل كان لا بد من إتمام التحقيق اولا ( اهم حاجة تقفيل الورق أما المصاب بقي عاش أو مات ده قدره ) فليس هناك أي أهمية للفرد عند الجهات الرسمية .
   من المشاهد المثيرة أيضا مشهد ( الست هندية الداية ) ، البيه النائب يذهب للتحقيق ..امرأة في حالة ولادة والجنين ذراعه خارج من رحم أمه ( والعيل محشور ) كما قالت هندية ، فما كان منها إلا أنها أحضرت بعض التبن و حشت به رحم المرأة كي تستطيع سحب الجنين ، مأساة ...بالطبع ماتت السيدة ومات الجنين ومات المجتمع ، في مثل هذه المجتمعات تكون حياة الإنسان رخيصة لا قيمة لها ، كما هو أيضا في مشهد المرأة المسمومة ، كان المهم تقفيل الاوراق ، أما تلك المرأة فلم تتلق أي إسعاف وفي آخر الأمر ماتت .
   مشهد الانتخابات و معاملة البيه المأمور للعمد الجدد ، مشهد سياسي تم تصويره ببراعة ، المشهد لم يتغير كثيرا مع اختلاف المسميات ، مشهد خروج التليفون من بيت العمدة القديم لبيت العمدة الجديد من المضحكات المبكيات ، مشهد الاجزخانة والقاضي الشرعي والخواجة ، لم يراعي أحد منهم ضميره بل اغتصب الجميع حق الفقير المعدم رغم أنهم تقريبا من نفس الطبقة ، الصراع داخل الطبقة الواحدة فقد ياكل الفقير حق الفقير ،يتصارع الفقراء و المعدمون فيما بينهم هذه حقيقة حتي في عصرنا الحالي .
     ريم التي ظهرت مثل ضوء خاطف ، أو نسمة عابرة ، ظهور مفاجئ واختفاء غريب ، نسمة رطبة في جو الرواية الخانق لكنها اختفت سريعا ليعود الاختناق مرة أخري ، مثلها مثل أي شىء جميل في حياتنا ، وفي النهاية كانت رقم مثل اي رقم فكلنا في النهاية ارقام .
    مشهد تشريح الجثة ...نحن لسنا سوي روح فإن ذهبت الروح فليس للجسد قيمة أو معني ، صار مجرد مجال للعبث ، فما أنت أيها الإنسان سوى روح ، أيضا يوضح هذا المشهد أن الاعتياد يؤدي إلا اللامبالاة فهناك فرق بين المساعد  الذي يشاهد تشريح جثة لأول مرة في حياته وبين النائب الذي اعتاد هذا المشهد .
    في النهاية صورت الرواية حال المجتمع المصري في تلك الفترة الزمنية ، مدي البؤس الذي وصل إليه حال المجتمع ...المهانة وعدم وجود أي قيمة للإنسان أو الإنسانية ، هذه الروايات مثل يوميات نائب في الارياف ، البؤساء لطه حسين ، تحت القبة لنجيب محفوظ وغيرها ، هذه الروايات تعطي للقارئ صورة واضحة عن كيف كان يعيش الناس في تلك الأزمان ، تصور المجتمع بدقة ، تلتقط النماذج والأنماط المعيشية لتكون شاهدا علي التاريخ .
تحياتي ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكاية شاعر

سيرة ذاتية

حكاية شاعر ..علي الجارم