حين يتكلم التاريخ
حين يتكلم التاريخ
بقلم : محمد فتحي شعبان
أولم سيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم ( غافر ٢١) .
و تلك الأيام نداولها بين الناس ( آل عمران ١٤٠) .
** التاريخ و التأريخ ...التاريخ هو الأحداث التي جرت في زمن ماضي ...يقول ابن خلدون ( إن التاريخ في ظاهره لا يزيد علي أخبار الأيام و الدول و السوابق من القرون الأولي ، و في باطنه هو النظر و التحقيق و تعليل الكائنات و مبادئها وعلم بكيفيات الوقائع و أسبابها ) و تم تعريفه أيضا بأنه : دراسة الماضي كما هو موصوف في الوثائق المكتوبة ...أما التأريخ فهو : تسجيل جملة الأحداث و الأحوال التي يمر بها المجتمع أو يمر بها كائن ما ...كما تم تعريفه بأنه : الصورة الفكرية للحضارة و مؤشر نشاط الفكر الإنساني في ماضيه إلي حاضره و ما يتوقع منه في المستقبل ، فهو إعادة تمثيل الحياة البشرية كما هي ، و إعادة رسم مظاهر النشاط البشري بتطوراته وتقدمه
ذلك هو التاريخ وهذا هو التأريخ
لابد لأي بناء من قاعدة و لابد لأي مستقبل من حاضر وماضي ، و النبات الذي يحيا و يستمر لابد له من جذور تمتد في عمق الأرض ، تم تعريف التاريخ و التأريخ للتفرقة بين مجرد معرفة أحداث الماضي وبين استخدام تلك الأحداث في فهم ما يدور حولنا .
الماضي ليس مجرد احداث انتهت بل تلك الأحداث لها دلالتها ، فإن كان من الصحيح أن الزمن الماضي لا رجعة له من الناحية التاريخية ، فمن الصحيح أيضا أن الماضي ليس مجرد تراكم كمي و نوعي لأحداث تمت في زمانها و ارتبطت بظروفها التاريخية .
حين نطلب معرفة تاريخ الأمة ليس لمجرد معرفة الأحداث والتواريخ ، ليس مجرد معرفة حدث كذا وحدث كذا ولكن لتحليل هذه الأحداث فإن هدف الباحث في التاريخ التحليل لإحداث التاريخ ومعرفة الظواهر الفكرية وإرجاع تلك الظواهر إلي اصولها الأولي التي خرجت منها ، لنعرف كيفية بزوغ تلك الأفكار وبعد التحليل و التأصيل يمكن إعادة البناء ، فالمهم ليس مجرد الاحداث ولكن ما وراء الأحداث ، الفكر والتحليل النفسي للأفكار ومدي تأثيرها في الأحداث .
مثلا حين ندرس تاريخ الخلافة ليس الأمر معرفة الأحداث ولكن الفكرة وراء قيام الخلافة ، دراسة أسباب قيام الخلافة وأسباب قوتها ، دراسة أسباب ضعفها و أنهيارها ، دراسة أسباب تقدم الاوائل في العلوم ، الفكرة وراء دراستهم فمن خلال هذه الدراسات يتم تكوين صورة واضحة تمكن من فهم التاريخ و تكوين وعي تاريخي .
الرجوع الي ليس معناه أن نكون صورة طبق الأصل في كل شىء ولكن هو استلهام لروح الماضي ، هم كانوا قادة و سادة العالم هم كانوا أعظم علماء العالم ...فلماذا كانوا و لماذا صاروا ثم لماذا كان هذا الانهيار و السقوط .
الوعي بالحاضر الذي نحيا فيه يدفعنا إلي دراسة تاريخ الأمة ، حينما ارادت القوي الغربية احتلال بلادنا وتخريب فكرنا ، قدمت اولا المستشرقين الذين كان لهم دور كبير في مساعدة قوي الغرب من خلال الدراسات الدقيقة التي قاموا بها لتاريخ دول المشرق ، لقد قاموا بدراسة كل شىء وتحليل الأفكار ومعرفة ما كان وراء تلك الأفكار ، درسوا العوامل النفسية واخلاق المسلمين لم يتركوا شىء إلا وقاموا بدراسته ، فنحن أولي بدراسة وتحليل التاريخ ...كثير من شبابنا لا يعرفون شيئا عن التاريخ فضلا عن تحليل احداث التاريخ بل و يتصور الكثير منهم أن العودة أو التمسك بتاريخنا يعني أن نعيش في الصحراء و أن نركب الجمال و...خيالات كثيرة .
علي مدي سنوات طوال تم فصل الأمة عن تاريخها وتقطيع جذورها لتموت ...تم تشويه التاريخ وطمس معالم الحضارة ...تشويه الأفكار و تقديم صورة مشوهة لكل من التزم بالدين ، الخلط الذي يحدث عمدا .
الوعي بالتاريخ أمر مهم ، إدراك ما وراء الأحداث ، إرجاع الظواهر الفكرية إلي اصولها ومعرفة كيف بدأت تلك الأفكار
إعادة البناء واكتشاف وتصور العالم .
تعليقات
إرسال تعليق