حكايات بني دايخ
حكايات بني دايخ
بقلم : محمد فتحى شعبان
السعادة طريق نسيتو
يجري في السوق ممسكا في يده غصن يابس ، يهذي بكلمات غير مفهومة ، ممزق الثياب حافي القدمين ، رغم برودة الجو لكنه لا يشعر بما حوله ، " نهوني عنك عزالي وهم لا شك اعدا لي وقالوا قسم المزمار وليس القلب كالثاني ولا المشغول كالخالى" هكذا كان يغني وهو يجري .
لم يولد في بني دايخ ولم يكن منهم بل كان من بني رايق حتي سنوات مضت ، مازال يظهر علي وجهه آثار العز وآثار نعمة كان فيها .
كان الابن الاكبر لتاجر خضار وفواكه في سوق الجملة بروض الفرج قديما وقد رضع التجارة كما رضع حليب أمه ، فصار تاجرا لا يجاري وهو بعد صغير لم يكمل الثلاثين من عمره ، فرحل إلي أسواق الجملة في مصر كلها ، لا تذكر له بلد في مصر إلا وهو يعرف أهلها وأسواقها ، بل إنه تاجر خارج مصر فذهب إلي ليبيا والأردن و تركيا .
عاش حياة البذخ والترف تمتع بكل شىء يمكنه التمتع به ، كان يمسي في بلد ويصبح في بلد آخر ...كنت أتساءل دوما كيف صار إلي ما صار إليه ، كنت اسمعه يدندن ( السمكة خدتها وراحت ...راحت مطرح ما راحت ) ، ما عرفته بعد ذلك أنه ....اقنعه أحدهم بتجارة الآثار ، وضع كل ماله في شراء تماثيل كانت حقيقة لم تكن مزيفة ، اشتراها ثم أبلغوا عنه ، وجد نفسه أمام كمين الشرطة ...المسافة لا تكفي للهرب لكنه ترجل من السيارة ثم ألقي بالتماثيل في بحيرة ناصر خلف السد ثم عبر الكمين آملا أن يعود في اليوم التالي لبستأجر غواصا يستخرج له التماثيل ، لكن ...كانت منطقة تماسيح من المستحيل الغوص فيها ، أصابته لوثة ، وسكن المقابر لأيام طوال ثم خرج شبه مجنون يدور في الشوارع ، طالت لحيته و اتسخت ثيابه و تغبر وجهه و انتفش شعره ، صار يجوب البلاد مرة أخري وهو في هذه الحال يبحث عن التماثيل و السمكة التي اخذتها وراحت ، عرفته هنا في الأسكندرية في سوق الجملة ، رجل يدور في الطرقات يهذي ، قد يخلع ثيابه في عز الشتاء ويجري ، ينام في بركة مياه ، يأكل أي شىء يلقي إليه ، سنوات مرت وهو علي هذا الحال ...عثر عليه أهله فأخذوه إلي بلده ، سنوات أخري مرت ونحن لا نعرف عنه شىء حتي ظهر مرة أخري وقد عوفي مما كان فيه ، لم يعد كما كان .
كنت أراه يجلس وحيدا يأخذه الخيال ...عمل شيال في السوق ...كان يهرب من العودة إلي أهله ، يخشى مواجهة من يعرفه ...تدمع عينيه احيانا حين يسرح به الخيال ...يدندن ...لو كان لي قلبين لعشت بواحد وتركت قلبا في هواك يعذب ...السعادة طريق نسيتو الهنا والفرح ليكووو ، قليل الحديث دائم الصمت .
تعليقات
إرسال تعليق